حزيران/يونيو 1996، امبريال بالاس بفيينا – مكان انعقاد المؤتمر السنوي العالمي للجمعية الدولية لداء باركنسون واضطرابات الحركة. بروفيسور ل. غولب يعرض صوراً لمنطقة كامبانيا الجميلة في جنوب إيطاليا أمام جمهور مندهش، حيث قام هو وزملاؤه بالتعرف للتو على عائلة كبيرة تتألف من العديد من الأعضاء المصابين بداء باركنسون، وهي السلالة المعروفة باسم «كونتورسي». في الوقت الذي اعتبر فيه داء باركنسون مثالاً على الأمراض التي تسببها العوامل البيئية إلى حدٍ كبير، كانت فكرة اعتبار المرض جينياً بالأساس فكرة ثورية. عندما حضرت هذا المؤتمر الدولي للمرة الأولى، أدركت أنني أوّد المساعدة في الكشف عن المسببات الجينية لداء باركنسون في مسيرتي المهنية المستقبلية.
وبعد وقت قصير، تم التعرف على الجينات الأولى المسببة للأنماط الوراثية السائدة، وهي بروتين الفا سينوكلين في سلالة «كونتورسي» في عام 1997، و«باركن» في العائلات التي أصيبت بالمرض في مرحلة مبكرة جداً في اليابان بعد عام واحد فقط. ثم تلا ذلك اكتشاف جينات إضافية معروفة قد تسبب داء باركنسون عندما يكون فيها أي طفرة وهي (LRRK2, VPS35، PINK1، DJ-1) بالإضافة إلى عدد من الجينات الأخرى المرشحة والتي لا نزال بانتظار تأكيد دورها في المرض.
أما التطور الأساسي، فقد تمثل في التعرف على عدد من العوامل الجينية التي تؤثر بدرجة أقل، حيث تزيد من خطورة الإصابة بداء باركنسون، ولكنها لا تُسبّبه بالمعنى الحرفي للكلمة. من بين هذه الجينات، هناك المتغيرات النادرة المُسبّبة للمرض في جينGBA والتي تشكل الخطر الأكبر المعروف لدينا. وممّا يثير الاهتمام أيضاً أنه قد تم اكتشاف متغيرات جينية شائعة تزيد من خطورة الإصابة بداء باركنسون في جينات اكتشف سابقاً أنها تسبب داء باركنسون عندما يكون فيها طفرات نادرة ضارة، ولعل المثال الأكثر شيوعاً هو جين بروتين الفا سينوكلين. ومنذ ذلك الحين، انتقل العاملون في هذا المجال من تقييم متغيرات الخطر في الجين الواحد إلى إنشاء علامات لقياس الخطر في الجينات المتعددة، حيث شمل آخر نظام علامات ما يقارب ألفي متغير جيني فردي، والذي يمكن استخدامه لتصنيف مرضى باركنسون في «أربع مجموعات» تتراوح ما بين المجموعة الجينية الأكثر خطراً إلى الأقل خطراً.
وقد تم العثور على كل الجينات المرتبطة بداء باركنسون المعروفة حالياً في مجموعات سكانية متنوعة حول العالم. بيد أن وتيرة حدوث بعضها ترتبط بالمجموعة السكانية المحددة وتختلف إلى حدٍ كبير من مجموعة إلى أخرى. ولعل المثال الأكثر وضوحاً هنا هو مثال تحور G2019S في جين LRRK2 . علاوة على ذلك، تبيّن أنه من الممكن وجود أنماط وراثية مرتبطة بمجموعة سكانية معينة من داء باركنسون، كما هو الحال في مثال X-linked dystonia-parkinsonism، وهو عبارة عن حالة موجودة حصراً لدى المرضى من ذوي الأصول الفلبينية، والذي تم اكتشاف المسبب الجيني الكامن خلفه بالإضافة إلى متغيرات جينية ترتبط بالسن عند بدء المرض.
أجابت الدراسات الجينية عن العديد من الأسئلة المتعلقة بالفيسيولوجيا المرضية لداء باركنسون. وبينما نحن نتحدث هنا اليوم، تخضع العلاجات الأولى التي تستهدف الجينات للاختبارات السريرية. بيد أنه لا تزال لدينا العديد من القضايا العالقة. بالنسبة لي، فإن ظاهرة تقليل إمكانية حدوث المرض هي واحدة من أكثر القضايا التي تثير اهتمامي. هناك ما يكفي من الأدلة، وخصوصاً في حالة الأنماط الوراثية السائدة لداء باركنسون، التي تفيد بأن نسبةً من حاملي الطفرة يسلمون من المرض أو تظهر عليهم الأعراض الأولى فقط في مرحلة متأخرة من حياتهم. يشكّل توضيح العوامل الجينية الذاتية المسؤولة عن الحماية من المرض ولربما تحسينها فرصةً شيّقة أخرى في مجال داء باركنسون في السنوات القادمة، ويوفر برنامج GP2 البيئة المثالية لإجراء مثل هذه الأبحاث.